سياسة الباب المفتوح
بقلم الدكتور قاسم كناكري
تحتاج كل مؤسسة إلى مراقبة سلوكها فيما يتعلق بالتعبير عن معاييرها الأخلاقية، ومن أجل تحقيق هذا التقييم يجب النظر إلى الموظفين على أنهم مشاركون لا يمكن الاستغناء عنهم ويجب تشجيع وحماية مبادراتهم؛ فعندما تحظى هموم ومخاوف الموظف بآذان صاغية وبشكل عادل، فسوف تقل احتمالية لجوئه إلى سلوكيات تنمّ عن التمرد والعصيان في المؤسسة؛ فمثل هكذا اتصالات مفتوحة وتوفر تغذية راجعة قيّـمة إلى الإدارة العليا، في الوقت الذي تمنح القوة للعاملين.
إن سياسة الباب المفتوح التي تسمح لكل مَن في المؤسسة بالوصول إلى رئيس المؤسسة هي ليست فقط وسيلة لإبلاغ كل العاملين بأن القائد حقاً يهتم بقضاياهم ولديه الرغبة بالتعلم منهم، بل إنها طريقة فعالة للقائد بأن يكون دائماً على علم بنبض المؤسسة؛ فالمنشآت التي تعمل بسياسات الباب المفتوح تسجل مستوىً كبيراً من الوعي والإحاطة بالمشاكل الأخلاقية والسعي الحثيث إلى حلها من خلال المواجهة الجدية لقضايا الأخلاق والسلوكيات في العمل، وذلك يستند حتماً على توفر وقت ومصداقية المسؤولين الكبار من اجل معالجة تلك القضايا، علماً أن مثل هذا الاتصال والتواصل المفتوح يصلح فقط عندما يكون بعيداً عن روح الانتقام من الجهة المبلِّغة.
إن سياسة الباب المفتوح شكل من أشكال الاتصال التي تمكّن المستويات الإدارية العليا من أن تبقى على إحاطة بمواقف الموظفين والمشاكل المتعلقة بالوظائف والاعتقادات حول المؤسسة بشكل عام. وتعتبر هذه السياسة منهجية وقائية والطريقة الأبسط لمعالجة الشكاوى.
وهذه المنهجية تعد مناسبة جدا للمؤسسات الصغيرة التي يتمتع فيها الموظفون بسهولة الاتصال مع الإدارة.
وتوفر سياسات الباب المفتوح بيئة تشجع الموظفين على مناقشة قضاياهم وهمومهم مع أي من المستويات الإدارية أو مع إدارة الموارد البشرية، كما أنها تسمح بحسم النزاعات أو حالات سوء التفاهم قبل أن تصبح مشاكلَ خطيرةً جداً.
إن هذا النوع من السياسة، والذي يستند على أساس الاتصال المباشر وجها لوجه، يُوجد بيئات عمل تقوم على أساس الثقة والاحترام المتبادل، وكثيراً ما يكون عبارة عن طريقة ناجحة لحسم قضايا ومشاكل الموظفين بسرعة، وخصوصاً عندما تشتمل القضية على المشرف المباشر للموظف.
ولأن سياسات الباب المفتوح لا تشتمل على تدخل خارجي (مثل المحامين، والقضاة)، فإنها تسمح للمدراء من الإبقاء على المشاكل داخلية، علماً أن كل السجلات -بغض النظر عن طبيعتها سواء كانت شكاوى أو تحقيقات أو قرارات نهائية- تُحفَظ سريةً داخل الشركة، ولا توجد هناك سجلات عامة عن الخلافات والنزاعات كما هي الحال بالنسبة إلى سجلات المقاضاة.
وإضافة إلى ذلك، فإن المؤسسات التي تستخدم هذه الطرق غير الرسمية تستطيع حسم القضايا بسرعة ومن دون أية معوقات كبيرة.
ويمكن للإصدارات الأكثر تطورا بالنسبة إلى سياسات الباب المفتوح أن تتضمن جوانب معينة مثل: قدرة الموظفين على المجيء بشكاواهم إلى المدير خارج نطاق سلسلة المراجع المباشرة، وسياسات تمنع الانتقام من الموظفين الذين يقدمون الشكاوى، وبنود متابعة الشكاوى.
وتعمد بعض المؤسسات إلى استخدام نسخة متقنة جداً من سياسة الباب المفتوح التي تحال فيها شكاوى الموظفين إلى كبار المدراء نسبياً لغرض التحقيق فيها. غير أنه بغض النظر عن كون سياسات الباب المفتوح مفصلة أو بسيطة، فإن الخاصية الرئيسية لها هي أن حسم قضية الموظف يكون ضمن حدود مبادرة المدير الذي يجيب على الشكوى. ولا توجد هناك جلسة استماع يتم فيها تقديم الأدلة رسمياً ولا يوجد هناك صانع قرار محايد لكي ينظر في مواقف كل جانب ويقدم حُكما حول النزاع.
إن أفضل طريقة لمعالجة قضايا وهموم الموظفين هي من خلال التواصل المفتوح والثابت والفعال والذي يسمح لكل من الموظفين والإدارة بأن يعالجوا القضايا وحالات سوء التفاهم فوراً قبل أن تتحول إلى مشاكل أكثر صعوبة.
وتجدر الإشارة إلى ان سياسة الباب المفتوح، وعلى شاكلة أي منهجية ادارية أخرى لمعالجة الشكاوى وغيرها من قضايا الموظفين المختلفة، يجب أن تحمي الموظفين المشاركين من أي شكل من أشكال الثأر أو الانتقام.
- الغرض
سياسة الباب المفتوح تعني حرفيّاً أن باب كل مدير مفتوح أمام كل موظف في المؤسسة، والغرض من هذه السياسة هو تشجيع الاتصال والتواصل المفتوح، والتغذية الراجعة، والنقاش حول أي قضية تهم الموظف.
وعندما تكون لدى المؤسسة سياسة باب مفتوح، فسوف يتمتع موظفوها بحرية الكلام والحديث مع أي مدير فيها وبأي وقت كان.
وتتبنى المؤسسات سياسات الباب المفتوح لتطوير ثقة الموظفين والتأكد من وصول المعلومات والتغذية الراجعة إلى المدراء الذين يمكنهم استخدام المعلومات لإجراء التغييرات في موقع العمل، علماً أن سياسة الباب المفتوح هي جزء من دليل الموظفين.
وتعمد المؤسسات إلى إدامة سياسة الاتصالات المفتوحة بين الموظفين ومستويات الإشراف المتنوعة من أجل تقوية وتعزيز التعاون والتفاهم في عموم المؤسسة.
تساعد سياسة الباب المفتوح في بناء علاقات عمل فعالة بين العاملين وترفع من مستوى الجودة المهنية للعمل الذي تؤديه المؤسسة.
وهكذا يشجَّع الموظفون على التحدث لمشرفيهم حول أي قضية أو مشكلة تؤثر في قدرتهم على تحقيق الأداء المثالي.
وغالباً ما تؤمِن إدارة المؤسسة بأن استخدام سياسة الباب المفتوح سوف يخفف إلى حد كبير من الحاجة إلى إجراء رسمي لمعالجة وإدارة التظلمات. وتعتبر إدارة الموارد البشرية موجودة للتدخل والتوسط في حال وجد الموظف و/ أو المشرف ضرورة لذلك.
وإحدى فوائد هذه السياسة هي تحسين المعنويات، حيث أن العاملين سيشعرون بأهميتهم واحترامهم عندما يدركون بأن أبواب مشرفيهم والمدير التنفيذي مشرعةٌ ومفتوحةٌ أمام ما لديهم من مدخلات.
والفائدة الثانية هي أن المؤسسة سوف تستفيد من معرفة العاملين وحكمتهم، وسيكون بالإمكان التعرف على المشاكل والعمل على حلها ومعالجتها في مراحل مبكرة.
وأخيرا، فإن مثل هذه السياسة ستوفر مخرجاً لأي إحباط، وتمثل صمامَ أمانٍ يمكن أن يَحُول دون زيادة مستوى سخط الموظفين وعدم رضاهم أو ضد تطور مشاكل خطيرة جداً للمؤسسـة.
- مجال التطبيق
سياسات الباب المفتوح -كما اشرنا آنفاً- تشجع الموظفين على تقديم ما لديهم من أسئلة وهموم حول القضايا التي تؤثر يهم في العمل. وسواء أكانت تلك القضايا تتعلق بعمليات العمل، وبمعوقات إنجاز العمل، وبالأفكار الجديدة لتحسين انسيابية العمل، أم القضايا الشخصية التي تؤثر في قدرة الموظفين على تحقيق النتائج، فإنه يمكن أن تكون سياسات الباب المفتوح فعالة فقط إذا ما التزمت الإدارة بالسياسة وكانت لديها الرغبة بمراعاتها.
وبينما يكون جديراً بالمؤسسات تحديد وتعريف القضايا التي قد تثار بموجب سياسة الباب المفتوح، فإن بعض قضايا الموظفين النموذجية يمكن أن تضم ما يلي:
- وقت الدوام
- قضايا الصحة والسلامة في موقع العمل
- الاقتراحات بخصوص العمل والعمليات
- بنود وشروط العمل
- نطاق المسؤوليات
- علاقات العمل
- ممارسات العمل الجديدة والحالية
- القضايا التي يحتمل أن تقود إلى حالة الطرد البنّاء.
إن سياسات الباب المفتوح الناجحة كثيراً ما تتضمن مسألة أن الموظفين يتقدمون أولاً بالوصول إلى مشرفهم المباشر (أو المستوى الذي يليه في الهرم التنظيمي إذا ما كانت المشكلة أصلاً هي مع المشرف) من خلال طرح ما لديهم من قضايا أو شكاوى قبل الذهاب إلى المستوى الذي يليه. وإذا لم يكن المشرف قادراً على حسم القضية، فإنه يحق للموظف ان يرفع بالتظلم إلى المستوى الأعلى الذي يليه من المشرفين، وهكذا إلى مستويات أعلى منها حتى يتم حسم المشكلة بشكل مرضي.
وعندما لا يستمع المشرفون والمدراء إلى اقتراحات الموظفين عند تقديمها إليهم، أو عندما لا يتابع المدراء تلك الاقتراحات، أو عندما تتم معاقبة الموظفين بطريقة معينة بسبب توصيل المشاكل أمام أنظار مشرفيهم فإن سياسات الباب المفتوح ستفشل. ويمكن أن تصبح ثقيلة ومرهقة في حالة تنفيذها بدون حدود، كأن يقوم أحد المدراء بقضاء يوم كامل مثلاً وهو يستمع لسلسلة متعاقبة من الموظفين دون ترك وقت لإنجاز الأعمال الأخرى.
ومن أجل تفادي سوء استخدام انفتاح المدير أو المشرف، فلا بد أن تخضع سياسة الباب المفتوح إلى بعض الإرشادات مثل:
- يكون بابُ مكتب المدير مفتوحاً، وهكذا يمكن لأي أحد أن يدخل ويبدي ما لديه.
- إذا ما كان الباب مغلقا، فإن ذلك يعني انشغال المدير بشخص آخر أو بنشاط آخر، ولذلك ينبغي عدم مقاطعته في هذا الوقت.
- يجب على الموظف، وبدافع الكياسة واللياقة، أن يتأكد من القائد متى يكون الوقت مناسباً للحديث معه.
- يتوجب على الموظف، عند دخوله إلى مكتب رئيسه، أن يشير إلى المدير حول مدة الوقت التي ستستغرقها المناقشة.
- يجب أن يكون الموظف مهيأً مُسبقاً للّـقاء من خلال تدوين الملاحظات، وتقدير الوقت المطلوب والنتيجة المتوقعة.
وإضافة إلى ذلك، تشير الممارسة الأفضل إلى ضرورة عدم استخدام سياسات الباب المفتوح في ظل الظروف التالية:
- تقديم شكاوى بالإنابة عن الآخرين.
- السؤال حول قرارات تم اتخاذها بموجب إجراءات أخرى، لكن يمكن إثارة القضية فيما يتعلق بتطبيق إجراء معين.
- إثارة قضية تافهة أو غير معقولة أو إثارة المخاوف بأسلوب مزعج أو خبيث؛ فالاستخدام غير المناسب لسياسة الباب المفتوح قد يؤدي إلى اتخاذ إجراء تأديبي.
وفي الوقت الذي توفر فيه سياسات الباب المفتوح للعاملين طريقة واضحة ومنظمة للاستماع لقضاياهم ومشاكلهم، فإن ذلك يعتمد على مدى فاعلية مهارات حسم النزاعات لدى المدراء المتصدين لمعالجة القضايا. وإضافة إلى ذلك، تعتمد هذه السياسات على الموظفين للبدء بعملية حسم القضايا. وكثيراً ما لا يتقدم الأفراد في هذا الأمر، حيث أنه يبقى بيد المدير ليميّز المشكلة ويتخذ الخطوات اللازمة لحسمها.
وبالإمكان جعل سياسات الباب المفتوح أكثر فاعلية من خلال تحديد نوع الشكاوى التي يراد بالعملية أن تعالجها، وتدريب المشرفين والمدراء حول كيفية حسم الخلافات والنزاعات.
وأخيرا، في الوقت التي قد تثار بعض المخاوف والقضايا ابتداءً بموجب سياسة الباب المفتوح، فإنه يستحسن تنفيذ التحقيقات بموجب إجراء مختلف ومناسب أكثر؛ فعلى سبيل المثال يجب تنفيذ تقارير الاحتيال حسب تحقيقات الاحتيال. علماً أن الموظفين الذين يثيرون قضايا ومخاوف وشكاوى لا يزالون يحصلون على الدعم الكامل من سياسة الباب المفتوح، وأن المقاييس الزمنية للتصعيد لا تزال سارية المفعول.
- الأهداف
بالكاد نجد مؤسسة تتمتع بأداء وظيفي سلس بشكل مطلق في جميع الأوقات، علماً أن القضايا والمخاوف التي تؤثر في الموظفين بأي شكل من الأشكال دائماً ما تكون موجودة.
ومن أجل إدامة العلاقات المهنية وعلاقات العمل المتجانسة، فمن الضروري للإدارة أن تحدد أسباب هذه المخاوف وتعالجها بأفضل أسلوب ممكن. وما سياسة الباب المفتوح إلا منهجية لحل المشاكل وحسم الخلافات، علماً أن الحقيقة المجردة من وراء وجود مثل هذه السياسة هي الرضا، بالرغم من أن الموظف قد لا توجد هناك مناسَبة له لاستخدامها.
وباختصار، تهدف سياسة الباب المفتوح إلى تحقيق ما يلي:
- توفير قناة أو مكان يمكن من خلاله للموظف ان يقدم قضيته.
- توفير فرصة للموظفين للتعبير عن شكوكهم ومخاوفهم ومشاعرهم وعدم رضاهم من دون الخشية من الثأر أو الانتقام.
ج. رفع مستوى معنويات الموظفين من خلال معرفتهم بأن هناك آذاناً صاغية ومعالجة لقضاياهم وهمومهم من قبل المدراء والمشرفين.
د. تزويد الإدارة بتصورات مناسبة حول مواقف وسلوكيات المدراء والمشرفين تجاه موظفيهم.
هـ. تقديم آلية مناسبة لمعالجة قضايا الموظفين، بحيث أن هذه الآلية تضمن أن كل قضية تُثار ستتم معالجتها بأسلوب نظامي.
و. العمل كرادع للمشرفين المباشرين من التصرف بأسلوب اعتباطي واستبدادي.
ز. مساعدة الإدارة في معرفة نقاط الضعف في الممارسات الحالية وغيرها من السياسات والإجراءات وأساليب العمل والأحكام والقواعد الحالية وما إلى ذلك.
ح. التأكد من أن المشرفين والإدارة يبدون اهتماماً أكثر تجاه الجوانب الإنسانية في موقع العمل.
Leave a Comment